Friday, July 25, 2008

دراسة في كتاب

"زهر الأكم في الأمثال والحكم" للحسن اليوسي


1. شخصية الحسن اليوسي

عندما نتحدث عن شخصية اليوسي فلا ريب في أن نذكر هنا إلى أنه من أشهر الشعراء والعلماء في القرن الحادي عشر الهجري أو السابع عشر الميلادي، إذ أنه عالم كل العلوم وعارف بما يحتاجه المجتمع في عصره. وكان حاضرا في الفقه والحديث والمنطق والتصوف والرسائل والآداب، إذ يمكن وضعه كأشهر عالم اللغة والنحو في عصره. يقول بعض المستشرقين عنه، وهو البروفيسور " بروفانسيال" ـ بعد مرور قرنين من وفاته قال : "قبل أن يكون اليوسى عالما بالتوحيد، عضوا عاملا في الطريقة الصوفية، كان أديبا متضلعا في الأدب العربي، وشاعرا ذا قيمة لا يستهان بها"[1]. وأكد محمد الفاسي أن اليوسي : "ذائع الصيت لاسيما في العقائد والفقهيات. وقد كان أيضا وقبل كل شيء أديبا وشاعرا ذا موهبة عالية، بل أنه أكبر شعراء القرن الحادي عشر أو السابع عشر الميلادي[2]".

هو أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي، ولد سنة 1040 هـ في قبيلة أيت يوسي الكبرى جنوبي فاس. يقول اليوسي في الممحاضراته معرفا بنفسه : "أنا الحسن بن مسعود بن محمد بن علي بن يوسف بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن علي بن عمرو بن يحيى بن يوسف"[3].

لُقب اليوسي بكنية كثيرة حيث ذُكر أكثر من مرة : أبو علي وأبو المواهب وأبو السعود وأبو محمد"[4].

لقد أقبل اليوسي على العلم إقبال الظمآن على الماء، ولم يفارقه منذ ذلك الحين رغم أنه نشأ في بيئة وعرة الطبيعة، صعبة المراس، تتسم بالحركة البشرية المتنوعة، وبالإضطرابات والفتن والثورات[5].


رحلته وشيوخه

لقد اتجه منذ صغره إلى طلب العلم، فحفظ القرآن في كتاب قريته، ثم انتقل في طلب العلم إلى حلقات شيوخه بـسجلماسة، وسوس، ودرعة، ومراكش. وأخيرا استقر بزاوية الدلاء، طالبا أولا، فمدرسا بعد ذلك[6].

رحل اليوسي في طلب العلم، رغبة منه في لقاء الشيوخ، والسماع عنهم. وقد كانت وجهته الأولى منطقة درعة، أو ما أضحى يعرف باسم الزاوية الناصرية فيما بعد، لملاقاة الشيخ أبي عبد الله محمد بن ناصر الدرعي. وهو أول من ناداه بالكنية التي اشتهر بها وهي : أبو علي حين مدحه اليوسي بداليته المشهورة، والتي تشتمل على خمسمائة وستة وأربعين بيتا.

كما رحل اليوسي إلى جبل دمنات، حيث كان يحضر مجلس أبي الحسن علي ابن العباس، ثم التحق بالزاوية الدلائية، أكبر مركز علمي في المغرب في هذه الفترة من تاريخه[7]. وقد ظل اليوسي بالزاوية الدلائية زهاء عشرين سنة طالبا وأستاذا، كما تتلمذ على واحد من أكبر شيوخها، وهو أبو محمد بن محمد المرابط الدلائي (ت 1089 هـ) والذي قرأ عليه تلخيص المفتاح للقزويني.

كما تتلمذ على الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعيد المرغثي (ت 1089 هـ)[8] الذي قرأ عليه ألفية ابن مالك. وتتلمذ أيضا على أبي محمد بن عبد القادر بن علي الفاسي (ت 1091 هـ)[9].

كما يعد أبو العباس أحمد بن سعيد المجيلدي أحد شيوخ اليوسي الذي قرأ عليه "مختصر خليل"، ومنهم أيضا أبو مهدي السكتاني (ت 1062 هـ) الذي قرأ عليه مختصر الشيخ السوسي في المنطق، والقائمة تطول. وقد خص لها آخر كتابه المحاضرات الذي ذكر فيه قائمة الشيوخ الذين تتلمذ عنهم أو لقيهم.

كما انتقل إلى فاس بعد تخريب الزاوية الدلائية من قبل المولى الرشيد بأمر من السلطان[10] وذلك سنة 1079 هـ.

وقد التف حوله الناس للسماع عنه إلا أنه سرعان ما وقع له خلاف مع أهل فاس فخرج اليوسي من فاس وزار مدينة تطوان سنة 1083 هـ وكانت تعيش ظروفا صعبة. كانت تواجه حملات عسكرية أجنبية متوالية بسبب طمع الاسبان والبرتغال فيها فشاركها اليوسي صعودها بقصائد جهادية، يقول اليوسي في قصيدته ترغيبا في الجهاد :

طوبى لعبد خاشع ينقلــب

يترصد الصلوات في ميقاتها

وعن المأثم كلها يتجنب

وعن المأثم كلها يتجنب

ثم زار تطوان مرة أخرى سنة 1085 هـ ومدح أهلها بقصيدة مطلعها :

تطوان شفت الفؤاد المسقما *** وجلت من الأحزان ليلا مظلما

إلى أن قال : متأسفا على فراق أهل تطوان :

لله در أحبة غادرتهم *** فيها يعدون الصداقة مغنما

ثم رحل بعد ذلك إلى مدينة مراكش سنة 1087 هـ ومكث بها حتى سنة 1093 هـ.

وقد رحل إلى الحج سنة 1101 هـ، إلا أنه توفي بعد عودته مباشرة سنة 1102 هـ.

آثـاره

ترك الحسن اليوسي بعد موته آثارا جليلة تمثلت في ذلك الكم الهائل من المصنفات والمؤلفات في مختلف المجالات، ضاع بعضها ولازال البعض الأخر مخطوطا في خزانات مغربية وغيرها. وسنذكر بعضا من كتبه في كل مجال تدليلا على عبقريته:

‌أ- في الفقه والحديث

- أرجوزة فقهية

- قواعد الاسلام من مضمون حديث النبي عليه السلام

‌ب- في الأدب

- "زهر الأكم في الأمثال والحكم"

- المحاضرات

- فهرسة

‌ج- في التصوف

- أربعة وعشرون سؤالا تتعلق بصاحبة الشيخ وتأدية الأوراد

‌د- الرسائل

- هرسالة في نصح المسلمين

- رسالة إلى الصوفيين

‌ه- في التوحيد

- حاشية على شرح السنوسي لعقيدته الكبرى

- إضافة إلى فهرسته وكذا القانون. ومجمل القول إن "المترجم له ممن أفردت ترجمته بالتأليف وهو جدير بذلك لتمام مشاركته وسعة تبحره وطلاقة قلمه وقوة قلبه وشجاعته وفي ترجمته من نشر المثاني : هو ممن يستحق أن يوضع في ترجمته مجلدات[11].


دراسة كتاب زهر الأكم في الأمثال والحكم :

إن كتاب "زهر الأكم في الأمثال والحكم" يعتبر باكورة طيبة من بواكير الدراسات الأدبية في المغرب، هذه البلاد التي لا تزال بحاجة إلى كثير من الدراسات في جميع أوجه مظاهر الحياة العامة لسكانها، من تاريخ واجتماعية وأدبية وغيرها. وجاء هذا الكتاب متحدثا باسم عصره وأجياله مما يمكن أن يكون دليلا لحضور الأمم.

لقد افتتح اليوسي كتابه هذا بمقدمة عرض فيها ملامح مؤلفه القيّم التي كانت تدل على دلالة قاطعة على ضلاعته اللغوية، وقوة عارضته وسعة تفكيره، كما أنه عرض للتعريف بالأمثال والحكم وفائدتهما وفضلهما وعن الأمثال الشعرية التي لا تخلو كذلك من أصالة كمصدر أساسي في الأمثال والحكم أنذاك.

فكلمة "مثل" عند اليوسي له ثلاثة أضرب، الأول بمعنى الشبه، يقال : "هذا مثل ذلك" أي شبهه؛ ويقال أيضا "هو مثله بكسر فسكون، ومثيله، كما يقال شبه وشبه وشبيه"؛ ويقال في هذا المعنى الأمثل من الناس وهو الأفضل، لأن معناه الأشبه بالأفاضل والأقرب إلى الخير، يقول تعالى }إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً{[12]، }وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى[13]{، أي أشبه بالحق والفضيلة. الثاني : الصفة. اتخذ اليوسي هذا المعنى معتمدا بما قاله تعالى }مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ[14]{ أي صفتها ونحو هذا. وقال آخر }لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ[15]{ أي لهم الصفات الذميمة وله الصفات العلي؛ ويقال في هذا المعنى أيضا : مثال. والضرب الأخير أي الثالث هو : القول السائر المشبه مضربه بمورده. قال تعالى }وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ[16]{.

ففي هذا السياق، ذكر اليوسي أراء القدامى عن الأمثال مبينا بما يوافق أراءه، منهم : الراغب والمرزوقي وغيرهما.

1. عنوانه

لعل أول ما يستوقف القارئ هو العنوان، وعليه يسعى المؤلف إلى جذب المتلقي عن طريقه، ولذا تجد العناوين التي يضعها القدماء مسجوعة ودالة. وعلى هذا النهج سار الحسن اليوسي في مصنفاته كما هو الشأن بالنسبة لكتابه "زهر الأكم".

وإذا كان العنوان مفتاح النص، وعن طريقه يمكن فهم محتوى الكتاب، فإنه ولابد من تفكيك العنوان لفظا لفظا والإبانة عن سر جمع المصنف بينها.

جاء في لسان العرب : "زهر، الزهرة : نور كل نبات والجمع زهر"[17].

كما جاء أيضا أن الأكم : إشراف في الأرض كالروابي[18]، وقيل المقصود به التل. كما ورد أن المثل هو "الشيء الذي يضرب لشيء مثلا، فيجعل مثله، وفي الصحاح : ما يضرب به من الأمثال، قال الجوهري مثل الشيء أيضا صفته"[19].

أما "الحكمة" فهي : عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم"[20].

يبدو إذن أن قيمة الزهر لا يجهلها أحد، وخاصة عند ما تنبت بالأكم ولذا استعار اليوسي هذين اللفظين وقابلهما بمحتوى الكتاب إشارة منه إلى كون مؤلفه يعد نورا منيرا في فن الأمثال والحكم.

وبدراستنا للجملة كلها، نجد أن اليوسي وظف ظاهرة الحذف الذي هو خلاف الأصل ويكون لمجرد الإختصار والإحتراز عن العبث، بناء على وجود قرينة تدل على المحذوف، ويدرك المتلقى الحذف في العنوان بكون "زهر" خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هذا "زهر الأكم". وقد لحق الحذف المبتدأ الذي يعتبر مسندا إليه من الناحية البلاغية. ويشير البلاغيون إلى أن من أغراض حذف المسند إليه: استحضاره في ذهن السامع، هكذا أراد اليوسي لمصنفه أن يستحضر من لدن كل سامع سمع به مما يبين أن الرجل كان مدققا أشد التدقيق في وضعه ذاك العنوان.


2. تعريفه وتصنيفه

يقع كتاب "زهر الأكم" في ثلاثة أجزاء متوسطة وقد نشر ضمن منشورات معهد الأبحاث والدراسات للتعريب، بتحقيق الدكتورين محمد حجي ومحمد الأخضر وقد صدر عن دار الثقافة بالدار البيضاء. كانت أول طبعة للكتاب سنة 1401 هـ/1981 م، وهي الطبعة التي اعتمدتها للدراسة عليه ولم أقف على طبعات أخرى للكتاب.

كما قلت يقع "زهر الأكم" في ثلاثة أجزاء، يقع الجزء الأول في 357 صفحة، والجزء الثاني في 315 صفحة، والثالث في 415 صفحة، وقد قسمه اليوسي إلى سمطين، ووضع لهما مقدمة عدت بمثابة خطبة الكتاب، وقد صاغها صياغة أدبية مسجوعة دلت بحق عن تمكنه وتضلعه في الأدب وفنونه، واتبعها بالسمط الأول، ويشمل الأمثال وما يلتحق بها، وقسمه إلى أربعة فصول : الأول في معنى المثل والحكمة، والثاني في فائدتهما، والثالث، في فضل الشعر والرابع في الأمثال الشعرية، ليختم بخاتمة في نهاية الكتاب.

ويشمل السمط الأول على أربعة وثلاثين بابا، خمسة وعشرون منها في الأمثال العربية، والباب الثلاثون في الأمثال التركيبية، الحادي والثلاثون في الأعيان، الثاني والثلاثون في الأمثال القرآنية، والثالث والثلاثون في الأمثال الحديثية، الرابع والثلاثون في التشبيهات الشعرية.

أمالسمط الثاني فقد خصصه للحكم وفيه اثنان وثلاثون بابا، تسعة وعشرون في الحكم على حروف المعجم، الباب الثلاثون في حكم مجموعة، الحادي والثلاثون في النواذر، الثاني والثلاثون في الأوليات، ومجمع ذلك كله ستة وستون بابا. ويشاء القدر ألا يُمْهل اليوسي تحقيق غرضه كاملا من الكتاب فيموت وهو لم يكتب منه غير المقدمة والخاتمة وأربعة عشر بابا من السمط الأول.

وكما يدل عنوان الكتاب، فهو في الأدب وتحديدا في الأمثال والحكم، وهو نظير لما ألف وجمع في ميدان الأمثال والحكم مثل كتاب "الأمثال" للمفضل الضبي وكتاب "جمهرة الأمثال" لأبي هلال العسكري، وكتاب "مجمع الأمثال" لأبي الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني، وكتاب "الوصايا والأمثال والموجز من محكم الأقوال" لأبي الوفاء المبشر"[21].

3. أسباب التأليف

لاريب أن أي مؤلف إلا له حكاية كانت وراء تأليفه إما إعجابا بالموضوع أو سعيا إلى دحض رأي ما.

وفي قراءتنا الأولى في مقدمة كتاب "زهر الأكم" نجد أن أبا علي اليوسي قد ذكر دواعي تأليفه لكتابه، يمكن إجمالها فيما يلي :

1) تشوق أبي علي اليوسي لفن الأمثال ومأثره، حيث يقول : "وكانت نفس تشوقني إلى هذا الفن ومأثره..."[22].

2) رغبة الحسن اليوسي الجامحة الوقوف على مؤلَف في فن الأمثال، حيث كان الرجل يشتاق أن يرى موضوعا أو يصادف كتابا في فن الأمثال. يقول : "فكنت أشتاق أن أرى في هذا موضوعا وأصادف كتابا مجموعا مما عُني به الأقدمون، وأفتفي أثرهم فيه المتأخرون"[23]. إلا أن هذا لم يتحقق للرجل، فما كان منه إلا أن طفق يجول في عرضات كتب الأدب، وكل ما له صلة بكلام العرب حتى التقط من ثمين جوهرها واقتطف من ينبوع جوهرها.

3) تدوين اليوسي لما علق بخاطره خشية النسيان مع تطاول الزمان.

هذه هي أهم الدوافع التي حركت الرجل إلى التأليف في هذا الفن، ومن ثمة يذكر اليوسي أنه شبه الواضع لفن الأمثال وإن سبق والمخترع وإن نقل"[24].

كيف طريقته في تأليف هذا الكتاب ؟

إن عملية التواصل بين المبدع والمتلقى تكون حاضرة في ذهن المؤلف الذي يسعى إلى توصيل إنتاجه عبر قالب ميسر ومنظم. وقد اختار اليوسي في كتابه "زهر الأكم" منهجا سار فيه على نهج الأقدمين، كما سعى إلى تأطير مضمون الكتاب تأطيرا مضبوطا، إذ منذ البداية، أجاب اليوسي عن سؤال افترض أن المتلقي سيطرحه لا محالة قبل الشروع في قراءة سطور المؤلف وهو ماهية المثل والحكمة ؟ وقد عرف بهما أولا ذاكرا الحكمة من تداولهما من داخل القرآن والسنة النبوية، وكيف سار العرب على اقتفاء الأثر، نظرا لما للمثل والحكمة من وقع موسيقي جرسي على النفس ليأتي وقعهما التأثيري المتمثل أساسا في الإعتبار والاتعاظ.

ودفعا لأي لبس قد يقع فيه القارئ رتب اليوسي الأمثال المذكورة في كتابه على الحروف الأبجدية دون اعتبار للحروف الزوائد، إلا أن يكون مما ينبني عليه التركيب كـ : لا و ما النافيتين وفي والباء الجارتين[25]، وعليه فقد وافقه منهج اليوسي منهج من سبقوه بالتأليف في هذا الفن، كالنيسابوري في كتابه "مجمع الأمثال"، ومنهج اليوسي في إيراد الأمثال. منهج مفيد وطريق فهو يسوق المثل ويشرح ألفاظه من ناحية اللغة شرحا دقيقا، ويشير إلى الموقف الذي يضرب فيه المثل، ثم يحكي الحادثة التي تمخض عنها، وقد يورد في بعض الأحيان شبيهه عند العامة[26]. ولم يقف اليوسي عند هذا فحسب، بل سعى إلى تعضيد مغزى المثل من داخل الشعر العربي أو ما جاءت به قريحته، وتتفاوت استشهاداته من مثل لآخر، ولقد أشار اليوسي إلى هذا قائلا : "فكنت في ذلك شبه الواضع وإن سبقت، والمخترع وإن نقلت، وأضفت إلى ذلك من نفائس النوادر دررا، ومن نكت الفوائد غررا، وجمع فيه من شعر الأقدمين والمحدثين عيونا، وقضيت من غريبه ديونا، وما ذكرت شعرا إلا إخترته، ولا ألممت بمنزع إلا حررته، ولا دفعت إلى مبهم إلا أوضحته، ولا افتتحت بابا إلا أقممته مع جملة وافرة من علم اللغة، تكون للمقتصر عليه كفاية وبلغة، لولا أني رمت بذلا على تقتير وإنباضا بلا توتير"[27].

4. قيمة الكتاب

إن الكشف عن قيمة كتاب ما تتطلب الإحاطة بمحتوياته ومضامينه، وبرجوعنا لكتاب "زهر الأكم"، ندرك القيمة العلمية له. وعليه يمكن إجمال قيمة الكتاب العلمية وكذا قيمه الجمالية فيما يلي :

1) كون الكتاب مصدرا من مصادر الأدب لما فيه من روايات نقدية وشعرية يمكن أن يستعين بها القارئ لفهم تراثنا الشعري.

2) كونه من ضمن المصادر التي تناولت فن الأمثال والحكم تنظيرا وممارسة، مما جعله ركيزة وذخيرة لا يمكن تجاوزه لغيره أو البحث في مظان الأمثال والحكم دون الرجوع إليه.

3) احتواؤه على مادة شعرية غزيرة جمعت بين القديم والحديث تمثلت في استشهاده بشعر الجاهليين وكذا الشعراء المخضرمين والإسلاميين مع التركيز أحيانا على شعراء الأندلس نظرا لجودة شعرهم تبعا للبيئة التي نشأوا فيها.

4) استعانته بالقرآن وتفسيرات العلماء له وكذا السنة النبوية وشرح المحدثين لها في الشرح لما يأتي به مما يجعل من الكتاب أيضا مرشدا للباحث في المجال الديني.

5) تناوله لبعض القضايا التي سال حولها مداد كثير، ولم يحسم فيها بعد، وهي قضية الإسلام والشعر، وكيف تحدث اليوسي عنها بطرافة، وطرحه لأقوال العلماء في المسائل التي كانت محط خلاف بينهم. ولنستمع، إلى قوله بعد التدليل على فضل الشعر –أعني الحسن منه- بقول : وبالجملة ففي كل كلام ينطق به اللسان شعرا أو نثرا، إنشاء أو حكاية، فوائد وآفات فصلها علماء الشعر، وحرروها، فمن ظفر بالفائدة، سلم عن الآفات، فهو الذي ينبغي له أن يتكلم إما وجوبا أو ندبا بحسب الفائدة. ومن لم يظفر بالفائدة، ووقع في الآفة أو توقعها فهو الذي لا ينبغي له أن يتكلم إما تحريما أو كراهة بحسب الآفة"[28].

6) استعانة اليوسي في كتابه ببعض الأمثال العامية، وكذا أمثال المولدين وتقديمها في قالب فصيح "امش بالنعلين حتى تجد السباط"، وهنا نلحظ أن الرجل احتفظ باللفظ العامي (السباط) "[29].

7) ذكره وشرحه لبعض الظواهر البلاغية، كما في قوله : والبيت له

فالجسم بالٍ ذو بال بعدكم أبدا به عرضُ الشعوب جديد

وفي هذا البيت الجناس بين بال وبال، والإقتباس في الجسم والعرض ومراعاة النظير بذلك الاعتبار والطباق بين البلي والجدة[30].

8) تناوله لبعض الظواهر النحوية وشرحها. كما في قوله في التعليق على هذا المثل : الجحشَ لمَّا يذّك الأعياز.

9) ولفظ الجحش في المثل يكون منصوبا على الإغراء، اي عليك الحجش ويجوز أن يرفع على الإبتداء أو الخبر اي الجحش حسبك أوحسبك الجحش[31].

10) الإبانة والإفصاح عن قيمة الأمثال المذكورة: كتعليقه على مجموعة من الأمثال بقوله : مصنوعة كما في : جرب ثم باعد أو قرب[32].

11) حديثه عن بعض الأمور النادرة، كآلات الكتابة وأصناف الكتاب

أما ما يتعلق بالقيم الجمالية داخل متن الكتاب، فمنذ الصفحة الأولى، تدرك سلاسة التعبير ورونقه، وجماليته، خاصة ظاهرة السجع، التي صاغ بها المقدمة كاملة. كما تتبدى أيضا القيم الجمالية في ذلك الشعر المستشهد به، وما يحفل به من صور جمالية وفنية، تدل على تذوق الرجل للشعر ومعرفته به، وكيف لا وهو القائل : "لو شئت أن لا أتكلم إلا الشعر لفعلت".

هذا ولم يصل من الكتاب إلا جزءٌ يسير من التصور الذي كان في ذهن اليوسي، وفي رأيي لو أنه خرج في الحلة التي يريدها اليوسي، لشكل موسوعة لفنون وعلوم عدة، نظرا لموسوعية الرجل.


لائحة المصادر والمراجع

1. زهر الأكم في الأمثال والحكم، الحسن اليوسي، تحقيق، محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الثقافة، الطبعة 1 1401/ 1981.

2. الحياة الأدبية بالمغرب على عهد الدولة العلوية، للدكتور محمد أحضر.

3. الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، محمد حجي المطبعة الوطنية الرباط 1384 هـ/1964 م.

4. عبقرية اليوسي، عباس الجراري، ص : 21-23، دار الثقافة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1401 هـ./1981 م.

5. الفقيه أبو علي اليوسي.

6. فهرس الفهارس والاثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، اعتناء أحسان عباس، دار المغرب الأسلامي الطبعة 2/1402/1982/ .

7. لسان العرب، ابن منظور، دار صادر بيروت، الطبعة 1، 1410/1990، مادة زهر.

8. مجلة دعوة الحق السنة 7، 1963ن العدد 3 دجنبر، مقال : حسن الوراكلي، "زهر الأكم في الأمثال والحكم"، عرض وتعليق.

9. المحاضرات، الحسن اليوسي إعداد : محمد حجي، ص : 15، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، 1396 هـ/1976م.



[1] الحياة الأدبية بالمغرب على عهد الدولة العلوية للدكتور محمد أحضر: 122 نقلا من ل. بروفنسال، شرفاء، ص: 269.

[2] نفسه : 123، نقلا من م. الفاسي، الأدب المغربي، ص : 534.

[3] المحاضرات، الحسن اليوسي إعداد : محمد حجي، ص : 15، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، 1396 هـ/1976م.

[4] المحاضرات، ص : 15.

[5] عبرقة اليوسي، عباس الجراري، ص: 21. دار الثقافة الدار البيضاء، الطبعة الأولي، 1401 هـ/ 1981 م.

[6] عبقرية اليوسي، عباس الجراري، ص : 21-23، دار الثقافة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1401 هـ./1981 م.

[7] الفقيه أبو علي اليوسي، ص : 132.

[8] المحاضرات، ص : 303

[9] نفسه، ص : 303

[10] الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، محمد حجي المطبعة الوطنية الرباط 1384 هـ/1964 م ص: 100.

[11] فهرس الفهارس والاثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، اعتناء أحسان عباس، دار المغرب الأسلامي الطبعة 2/1402/1982/ ص: 1160، المجلد 2.

[12] سورة طه، الآية : 104.

[13] سورة طه، الآية : 63.

[14] سورة محمد، الآية : 15.

[15] سورة النحل، الآية : 60.

[16] العنكبوت، الآية : 43.

[17] لسان العرب، ابن منظور، دار صادر بيروت، الطبعة 1، 1410/1990، مادة زهر، ص: 332.

[18] نفسه، مجلد 12 مادة أكم ص: 21

[19] نفسه، مجلد 11 مادة مثل ص : 611

[20] نفسه، مجلد 12 مادة حكم ص : 140

[21] مجلة دعوة الحق السنة 7، 1963ن العدد 3 دجنبر، مقال : حسن الوراكلي، "زهر الأكم في الأمثال والحكم"، عرض وتعليق، ص : 34-38.

[22] "زهر الأكم في الأمثال والحكم"، الحسن اليوسي، تحقيق، محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الثقافة، الطبعة 1 1401/ 1981، ص : 13.

[23] "زهر الأكم في الأمثال والحكم"، الحسن اليوسي، تحقيق، محمد حجي ومحمد الأخضر، ص : 13

[24] "زهر الأكم في الأمثال والحكم"، الحسن اليوسي، تحقيق، محمد حجي ومحمد الأخضر، ص : 16

[25] "زهر الأكم" ص : 58.

[26] دعوة الحق

[27] زهر الأكم، ص : 58.

[28] "زهر الأكم في الأمثال والحكم"، الحسن اليوسي، تحقيق، محمد حجي ومحمد الأخضر، ج 1، ص : 49.

[29] نفسه، ص : 22

[30] "زهر الأكم في الأمثال والحكم"، الحسن اليوسي، تحقيق، محمد حجي ومحمد الأخضر، ج 2 ص : 31

[31] نفسه، ص : 40

[32] نفسه، ص : 43

No comments: